ليل العابدين وليل العابثين
ليل العابدين قنوت وتهجد وتسبيح وسجود وتلاوة للقرآن، أما ليل العابثين فغفلة عن صلاة العشاء والفجر، وسهرات حمراء وخمور وفجور وكؤوس ومعازف وأغان، وسعار للشهوات، ليل العابدين سجدات تقرب إلى الله وقنوت ودعاء وتضرع واستغفار بالأسحار، أما ليل العابثين فلقاءات بين الشباب والفتيات وضحكات ومداعبات وإسراف في المطعومات والمشروبات، ليل العابدين سخاء بصدقات تحت جنح الظلام؛ "حتى لا تعرف شماله ما أنفقت يمينه"، تجردا وإخلاصا وبحثا عن تمام الأجر من الرحمن، أما ليل العابثين فتجول في الأسواق وفتنة بالمشتريات، ليل العابدين سهر لطلب العلم والكد في طلبه، أما ليل العابثين فسهر أمام المسلسلات والصور الفاضحة، ليل العابدين تغنِّي بالقرآن "أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه"، أما ليل العابثين فتغنِّي بالفسوق والعدوان وإثارة الشهوات وإقامة الحفلات والرقصات وميوعة المائلات المميلات، ليل العابدين ندوات ومحاضرات، أما ليل العابثين فمجالس أنس وسخرية وغيبة ونميمة ولغو وكذب وبهتان، ليل العابدين تخطيط لفعل الخير ونفع الغير وقضاء حوائج الناس، أما ليل العابثين فمكر الليل والنهار بتحالف الكفار والفجار لفتنة ذوي الأيدي والأبصار، ليل العابدين محاسبة للنفس؛ لأن النوم يذكرهم بالموت والاستيقاظ بالبعث والنشور، أما ليل العابثين فاستلقاء على طول الأمل استعداد ليوم جديد من الكد والعمل، ليل العابدين نوم على طهارة وذِكر، أما ليل العابثين فنوم على نجاسة وجنابة وغفلة، ليل العابدين سهر لإصلاح ذات البين والتقريب بين الزوجين والأرحام والجيران والشركاء والجماعات والدول، أما ليل العابثين فسهر لإفساد ذات البين بين كل شقيقين أو زوجين أو صديقين، ليل العابدين سهرٌ لأم ترضع أولادها وترعى أبناءها، أو سهر طبيب أو ممرضة لرعاية مرضاهم، أما ليل العابثين فتسهر الأم مع الأفلام والإنترنت والمكالمات التليفونية، وتترك الأولاد للخادمات والألعاب والشاشات، ليل العابدين أفراحهم لقاءات على القرآن والسنة وأناشيد راقية، ولا اختلاط بين الرجال والنساء، أما ليل العابثين فتعج أفراحهم بالسافرات والراقصات والأغاني والإسراف في المطعومات والمشروبات ويختلط الشباب بالفتيات، ليل العابدين رباط المجاهدين والجيش والشرطة لحماية الثغور وحفظ الأمن، أما ليل العابثين فانطلاقٌ للصوص وتجار المخدرات والمدمنين والمفسدين يروعون الآمنين، ليل العابدين متابعة لهموم الأمة في غزة والقدس وفلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان والصومال والسودان بل كل بلاد الإسلام، أما ليل العابثين فسهرات لمتابعة المباريات والموديلات ومسابقات الفنانين والفنانات.
إن الليل مع العمر يسري ويمضي فهل آن الأوان أن نستثمره ليكون ليل العابدين؛ فنسعد في الدارين، أم ليل العابثين فنشقى ولا نرقى ولا نرضى؟!
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (فصلت:40