الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
إن ما يميز شريعة الله جل وعلا عن القوانين الأرضية والنظم العلمانية؛ أنها
صالحة لكل زمان ومكان، فليس هناك زمان إلا وشريعة الله سبحانه تصلح له، وليس
ثمة مكان إلا ودين الله يصلح له؛ ذلك لأنها ربانية المصدر، ربانية الأحكام،
مما يجعلها منزهة عن العيب والخطأ والزلل. فمهما تطورت أنماط حياة الإنسان،
ومهما تغيرت أشكالها سلبا أو إيجابا ؛ فإن الإسلام بثوابته الربانية قادر على
السير بالإنسان نحو السعادة والهناء بما يتضمنه من الوحي الإلهي الذي يحمل
للناس حلول المشاكل كلها على مر الأزمان.
لذلك فدين الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ثابت لا يقبل
التغيير أو التبديل، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }
(3) سورة المائدة
فما أحله الإسلام هو الحلال، وما حرمه هو الحرام، ولا يحل لمؤمن يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يغير أحكام الله سبحانه ليجعلها مواكبة لعصر من العصور، مهما
كان شأنه وعلا كعبه!
فقضية الحجاب مثلاً، قد فصل القرآن الكريم حكمها تفصيلا شافياً كافياً منذ
زمن بعيد، ورغم الوضوح والبيان الذي تناول به القرآن الكريم والسنة النبوية
قضية الحجاب إلا أننا لا نزال نسمع هنا وهناك نقاشات بيزنطية صارخة عن وجوب
الحجاب!
ولا نزال نرى كثيراً من المسلمات قد أبين اللحاق بقافلة الستر والعفاف، وأبين
إلا مواكبة الانزلاق في متاهات التبرج والانحلال، ومن الغريب العجيب أن نرى
بين هؤلاء وأولئك، فرقة لم تنكر وجوب الحجاب في حقها، ولم ترض بالتبرج لبساً
لها، لكنها طورت مفهوم الحجاب تطويراً عجيباً يواكب- في رأيها- حضارة العصر.
فهو مزيج بين التبرج والحجاب.. وإن شئت فقل: هو حجاب جديد... وما هو في
الحقيقة إلا تبرج جديد، لأن الحجاب واحد، والتبرج أشكال! وهذا الكتاب !يتطرق
لمفهوم الحجاب كما قرره الإسلام ويصف التبرج وأشكاله؛ ليبقى الحجاب في مأمن
من عبث العابثين وتبديل المنهزمين، إذ أحكام الله لا تخضع لانهزام النفوس،
فلا جديد في الحجاب!
هذا هو الحجاب
لقد
شهدت الحقبة الأخيرة من هذا العصر عودة محمودة إلى الدين، وأصبحت قضية الحجاب
مثارة في كثير من البلدان بما فيها بلاد الكفر.. ولكن تلك العودة تفتقد في
كثير من الأحيان إلى التأصيل الشرعي لكثير من القضايا والأحكام الشرعية.
ومن هنا كان التعريف بالحجاب وإدراك حقيقته ومعناه مهما في الحد من ظاهرة
التبرج المقنع، إذ بضدها تتميز الأشياء. فإليك أختي المسلمة مفهوم الحجاب كما
قرره الإسلام:
مفهوم الحجاب
في
اللغة: الحجاب في اللغة هو المنع من الوصول، ومنه قيل للستر الذي يحول بين
الشيئين: حجاب؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما. وسمي حجاب المرأة حجاباً لأنه يمنع
المشاهدة .
ولقد وردت مادة (حجب) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع تدور كلها بين الستر
والمنع.
فمن ذلك: قال تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (32) سورة ص أي: احتجبت
وغابت عن البصر لما توارت بالجبل أو الأفق.
وقال تعالى:{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } (46) سورة الأعراف
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا
أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ } (51) سورة الشورى ، أي من حيث لا يراه.
وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}
(15) سورة المطففين ، أي مستورون فلا يرونه.
وقال تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا} (17) سورة مريم ، أي
ستارا.
وقال تعا لى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء
حِجَابٍ} (53) سورة الأحزاب ، أي من وراء ساتر مانع للرؤية.
ومن هنا نعلم أن مفهوم الحجاب في الاصطلاح اللغوي هو الستر، وهو وإن دل على
المنع فإن الستر داخل في مفهوم المنع بالتضمن. فالمنع يتضمن الستر.
في الشرع: الحجاب هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار
الرجال غير المحارم لها .
أختي
المسلمة: إذا تأملت دلالة الحجاب من حيث اللغة والشرع تبين لك أن غاية الحجاب
هو الستر عن أنظار الرجال الأجانب، وأن المقصود من ذلك هو صيانة المرأة
المسلمة والحفاظ على عفافها وطهارتها، ومن أجل تحقيق هذه الغاية فقد جعل
الإسلام للحجاب شروطاً واضحة تميزه وتحدد مواصفاته الشرعية، فإذا تخلف شرط
واحد متفق على وجوبه لم يعد الحجاب شرعياً بل هو تبرج وسفور أياً كان شكله
ووصفه. ومن هنا كان واجباً على كل امرأة مسلمة أن تكون عالمة بشروط الحجاب
وأوصافه حتى تعبد الله على بصيرة وعلم.
شروط الحجاب الشرعي
وأما
شروط الحجاب الشرعي فهي كالتالي:
1- أن يكون ساتراً لجميع البدن:
وهو الذي عليه عامة أهل العلم في هذا الزمان خصوصاً، "فغاية ما هنالك أن
العلماء اختلفوا في وجوب ستر الوجه أو عدم وجوب ستره وحينئذ فيكون كشفه على
أعلى تقدير من المباح، والمباح إذا خيفت منه الفتنة والمفسدة فإنه يجب منعه،
للقواعد الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وهي سد الذرائع ووسائل الشر،
وهذه المحاولات التي يحاود بعض الناس اليوم اتباع ما ذكره بعض أهل العلم من
جواز كشف الوجه يحصل بها فتح الباب لدعاة السفور والاختلاط، ويدل لذلك أنهم
يلحون في هذه المسألة مع أن هناك أشياء أهم منها في دين الله وأنفع منها
لعباد الله لا تجدهم يتكلمون فيها أبداً، مع ضرورة الكلام فيها، ثم إننا
نقول: انظروا إلى حال النساء في البلاد التي كانوا يتبعون فيها هذا القول
الذي هو من مواضع الاجتهاد، هل اقتصر النساء فيها على ما أباحه لهن العلماء
من كشف الوجه فقط أو أن النساء كشفن الوجه والرقبة والذراع والعضد والساق
وخرجن متهتكات لستر الله عز وجل. والإنسان العاقل البصير يجب عليه أن يقيس
الأمور بآثارها ومقتضياتها ويحكم عليها من هذه الناحية، والشرع والحمد لله
واسع، فيه قواعد عامة تضبط الشر وتردعه وتمنعه . ومن أدلة استيعاب الحجاب
لجميع بدن المرأة: قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل
لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ
مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
قال القرطبي رحمه الله: لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما
يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر
الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن
الخروج إلى حوائجهن .
وقال رحمه الله في تفسير الجلباب في قوله تعالى: {مِن جَلَابِيبِهِنَّ }:
والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن .
ومن السنة، ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين " (رواه البخاري في صحيحه).
قال أبو بكر بن العربي- رحمه الله-: "قوله في حديث ابن عمر "لا تنتقب المرأة"
وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج. فإنها ترخي شيئاً من خمارها
على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها".
فعليك أختي المسلمة: بالحرص على أن يكون حجابك ساتراً لجميع بدنك لما في ذلك
من البعد عن الشبهات وقطع الطريق عن الفساق الذين يتربصون ببنات المسلمين في
هذه الأزمان لاسيما وأن مقتضى الورع والحشمة هو الستر والاحتجاب الكامل عن
أنظار الرجال الأجانب وبالله التوفيق.
2-
أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة: لأن
الغاية من الحجاب هو تحصيل الستر والعفاف، فإذا كان الحجاب زينة مثيرة، فقد
تعطلت بذلك الغاية منه. ولذلك نهى الله جل وعلا عن ذلك فقال: { وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }(النور:31) فإبداء زينة
الحجاب من التبرج المنهي عنه شرعاً، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)
قال الذهبي رحمه الله: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة
والذهب واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها
الصباغات والأزر الحريرية والأفنية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام
وتطويلها، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت الله فاعله في الدنيا
والآخر، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء،قال عنهن النبي صلى الله
عليه وسلم: ((اطلعت على النار، فرأيت أكثر أهلها النساء)).
أختي المسلمة: وتذكري أن كثيراً من المسلمات اليوم قد أخللن بهذا الشرط بقصد
أو بغير قصد، فقد كثرت في الآونة الأخيرة أنواع من الحجب المزينة بأنواع من
الزينة، وكم تهافتت عليها الغافلات إعجاباً بها.. وسوف نتطرق بإذن الله إلى
بيان هذه الألبسة الدخيلة على الحجاب بالتفصيل في هذا الكتاب ، ونبين مدى
مخالفتها للجلباب الشرعي وأقوال العلماء في ذلك.
3-
أن يكون واسعاً غير ضيق: لأن اللباس
الضيق يناقض الستر المقصود من الحجاب، لذلك إذا لم يكن لباس المرأة المسلمة
فضفاضاً فهو من التبرج المنهي عنه، إذ إن عورة المرأة تبدو موصوفة بارزة،
ويظهر حجم الأفخاذ والعجيزة ظهوراً كاملاً كما تظهر مفاصل المرأة مفصلاً
مفصلاً وهذا كله يوجب تعلق النفوس الخبيثة والقلوب المريضة. فعن أسامة بن زيد
قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية
الكلبي، فكسوتها امرأتي، ففال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مالك لم
تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها".
وعن أم جعفر بنت مقعد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت:(( يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب
فيصفها)) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئاً
رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة:
"ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل فإن مت أنا فاغسليني أنت وعلي،
ولا يدخل علي أحد" فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما)).
قال الألباني- رحمه الله- تعليقاً على الحديث: فانظر إلى فاطمة بضعة النبي
صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلا شك أن
وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي
يلبسن من هذه الثياب الضيقة ثم يستغفرن الله تعالى، وليتبن إليه وليذكرن قوله
صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع
الآخر ".
فعليك أختي المسلمة باقتفاء أثر أمهات المؤمنين فإن فيه صلاح الدنيا والدين
وإياك والاغترار بما عليه جموع المتأخرين.
فكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف
4-
أن يكون صفيقاً لا يشف: فثياب المرأة
إذا لم يكن صفيقاً فإنه يجسد جسمها ومواضع الفتنة فيها، وكذلك إذا كان شفافاً
فإنه يبرز وجهها ول
أدلة المبيحين والرد عليها
أولاً :
يستدلون بآية سورة النور " ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها" وأن ابن عباس فد
فسرها بأنها الوجه والكفان ، ويرد عليهم أن ابن مسعود قد قال – في تفسير هذه
الآية " إلا ما ظهر منها " بأن المقصود هو الرداء والثياب ، وقال بقول ابن
مسعود - رضي الله عنه - الحسن، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النخعي
، وغيرهم. وقال ابن كثير في تفسيرها: أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب
إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وهذا الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان حيث
قال – رحمه الله - : " إن قول من قال في معنى " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر
منها " أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلاً ، توجد في الآية قرينة تدل على
عدم صحة هذا القول وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو
خارج عن أصل خلقتها : كالحلي والحلل ، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف
الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
ثانياً :
يستدلون بحدث أسماء – رضي الله عنها – فعن عائشة – رضي الله عنها – أن أسماء
بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت
المحيض لم يضح أن يُرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه " ويرد عليهم بأن
هذا الحديث ضعيف جداً كما قال بذلك أهل العلم ، وهو مرسل ؛ لأن خالد بن دريك
لم يدرك عائشة – رضي الله عنها – فالسند منقطع .. ورد سماحة مفتي الديار
السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز – حفظه الله ورعاه – هذا الحديث بخمسة أوجه
حيث قال سماحته:
1.
إن الراوي عن عائشة المسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة ، فالحديث منقطع،
والحديث المنقطع لا يُحتج به لضعفه.
2.
إن في إسناده رجلاً يُقال له سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يُحتج بروايته.
3.
إن قتادة الذي روى عن خالد بالعنعنة وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم ويُخفي
ذلك ، فإذا لم يصرح بالسماع صارت روايته ضعيفة.
4.
إن الحديث ليس فيه التصريح أن هذا كان بعد الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل
الحجاب.
5.
إن أسماء هي زوج الزبير بن العوام ، وهي أخت عائشة بنت الصديق وامرأة من خيرة
النساء ديناً وعقلاً، فكيف يليق بها أن تدخل على النبي – صلى الله عليه وسلم
وهي إمرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين وزيادة على ذلك بثياب
رقيقة وهي التي تُرى عورتها منها فلا يُظن بأسماء أن تدخل على النبي - صلى
الله عليه وسلم - بمثل هذه الحال في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها فيعرض
عنها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لها عليك أن تستري كل شيء إلاّ الوجه
والكفين.
معنى هذا أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي كاشفة لأشياء أخرى من
الرأس أو الصدر أو الساقين أو ماشابه ذلك ، وهذا الوجه الخامس يظهر لمن تأمل
المتن فيكون المتن بهذا المعنى منكراًً لا يليق أن يقع من أسماء رضي الله
عنها.
ثالثاً :
يستدلون بحديث سفعاء الخدين الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله
عليه وسلم عندما قال : " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم: فقامت امراة من سطة
النساء سفعاء الخدين فقالت لم يارسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة
وتكفرن العشير" إلخ ، والحديث صحيح أخرجه النسائي.
ويُرد عليهم بما ذكره الشيخ المحدث مصطفى العدوي – حفظه الله – في كتابه (
الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين ) في ص (40):
"والصواب أنها ( امرأة من سفلة النساء) ثم ذكر ثمانية أوجه كلها تدل على أو
الرواية الصحيحة هي ( امرأة من سفلة النساء) ثم قال وفقه الله في ص (41) :
فعلى هذا فقوله: " امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين ) أي ليست من علية
النساء بل من سفلتهم ، وهي سوداء ، هذا القول يُشعر ويشير إشارة قوية إلى أن
المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر ، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل
به على جواز كشف المرأة ؛ إذ أنه يُغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق
الحرائر ... وقد فسر سفعاء الخدين بأنها جرئية ذات جسارة ورعونة وقلة احتشام.
رابعاً :
يستدلون بقصة الخثعمية التي جاءت تستفتي النبي صلى الله عليه وسلم فطفق
الفضيل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر
إلها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها .. إلخ ، فقالوا :
لو كان كشف الوجه محرماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تعطي
وجهها.
ويرد عليهم أن المرأة كانت محرمة ، والمحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا
إذا احتاجت عند مرور الرجال مثلاً كما جاء عن عائشة رضي الله عنها،في حجة
الوداع (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم
فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه)
ويرد عليهم أيضاً بما قاله الشيخ حمود التويجري – رحمه الله – وأسكنه فسيح
جناته – في كتابه " الصارم المشهور على التبرج والسفور" ص (232) : وأما حديث
ابن عباس رضي الله عنه أن ابن عباس رضي الله عنه لم يصرح في حديثه بأن المرأة
كانت سافرة بوجهها. إلى أن قال رحمه الله تعالى – وغاية مافيه ذكر أن المرأة
كانت وضيئة ؛ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها
ووضاءة ما ظهر من أطرافها.
خامسا :
يستدلون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المرأة وأن تلبس القفازين في
الإحرام ، ويرد عليهم أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم في الإحرام فقط ، فدل
ذلك على أن النساء كن في عند النبي صلى الله عليه وسلم يسترن وجوههن وأيديهن
عن الرجال الأجانب بعد نزول آيات الحجاب ، ومع هذا كله فالواجب على المرأة أن
تستر وجهها إذا حاذاها الرجال كما كانت تفعل عائشة وأمهات المؤمنين عندما
كانت إحداهن تغطي وجهها وهي محرمة عند المرور بين الرجال. قال شيخ الإسلام
ابن تيمية – رحمه الله - : هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين
في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك بمقتضى ستر وجوههن وأيديهن.
سادسا :
يستدلون بقصة الواهبة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتهب نفسها
فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها .. إلخ ، ويرد عليهم
أن هذه المرأة جاءت تعرض نفسها ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كشفت
وجهها ليراها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته،
بل هذا دليل عليهم كما قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله : " وفيه جواز تأمل
محاسن المرأة لإرادة تزويجها. أي أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بقدر
ما يسمح له من الوجه والكفين أما غيره فلا يجوز. والصحيح أنها كانت محجبة،
وإنما نظر إلى حسن قوامها وقدها وبدنها وطولها أو قعرها مع تسترها.
وقبل أن أشرع في ذكر الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة بستر جميع بدنها بما
فيه الوجه والكفان أود أن أذكر القاريء الحبيب أن النساء كن على عند النبي
صلى الله عليه وسلم يكشفن وجوههن حتى نزلت آيات الحجاب التي تأمرهن بتغطية
سائر الجسد لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قصة الإفك إن صفوان بن
المعطل السلمي عرفني حين رآني ، وكان قد رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت
باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي. فلا يُستبعد أن تكون جميع الأحاديث
التي استدل بها أولئك قبل نزول آيات الحجاب منسوخة بالآيات والأحاديث التي
سنذكرها إن شاء الله ؛ خاصة أن آيات الحجاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة
، كما قال ابن كثير – رحمه الله .
الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة
بتغطية سائر جسدها
الأدلة من
الكتاب:
أولاً:
قوله تعالى :" وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم
وقلوبهن" قال ابن كثير –رحمه الله:" أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا
تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر
إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب.
وقال الشوكاني -رحمه الله- : أي من ستر بينكم وبينهن. وقال الطبري -رحمه
الله- " إذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين متاعاً
فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. والسؤال من
وراء حجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء من عوارض العين التي تعرض في صدور
الرجال والنساء وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل. فهذه الآية
الكريمة تبين وجوب الستر عن الرجال الأجانب. قال سماحة المفتي الشيخ عبد
العزيز ابن باز – حفظه الله – في هذه الآية: " ولم يستثنِ شيئاً، وهي آية
محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها. ثم قال – جزاه
الله خيراً - : " والآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور
النساء وتبرجهن بالزينة.
ثانياً:
قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن
من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً".
قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- في الصارم المشهور ص(187) : " روى ابن
جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه
في هذه الآية قال : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن
يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -حفظه الله- في هذه الآية : " إن محمد
بن سرين (سيرين) قال: " سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل :" يدنين
عليهن من جلابيبهن" فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
ثالثا :
قول الله تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها " قال عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه الثياب.
رابعاً :
قول الله تعالى: " وليضربن بخمرهن على جيوبهن" قال الطبري -رحمه الله- في
تفسير هذه الآية : " وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن.
وفي هذه الآية دليل على تغطية الوجه لأن الخمار هو الذي تغطي به المرأة رأسها
فإذا أنزلته على صدرها غطت ما بينهما وهو الوجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه الآية : " فلما نزل ذلك عمد
نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنها وأرخينها على أعناقهن ، والجيب هو شق في طول
القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها.
انظر أخي القارىء هل يكون ستر العنق إلا بعد ستر الوجه !!
الأدلة من
السنة:
أولاً:
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي ، وقال عنه حسن غريب "
المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " ففي هذا الحديث العظيم لم يستثن
صلى الله عليه وسلم منها شيئاً بل قال : إنها عورة .
ثانياً :
فعل عائشة رضي الله عنه في قصة الإفك ، والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم "
قالت عائشة وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج
فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني
قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي "
ثالثاً :
عن عائشة رضي الله عنه قالت : "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول
صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا
جوزنا كشفنا "
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
رابعاً :
حديث عائشة رضي الله عنه قالت : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني
بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد " متفق عليه .
خامساً :
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب
المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين
كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
سادساً :
عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب
أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت
جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها . رواه الإمام
أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .
سابعاً :
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له
امرأة أخطبها فقال : " اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " فأتيت
امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتها بقول النبي –صلى الله عليه
وسلم- فكأنهما كرها ذلك ، قال : فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت : إن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك – كأنها
أعظمت ذلك – قال : فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها "
رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه
ابن حبان .
ثامناً :
أخرج الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت : " خرجت سودة بعدما ضرب
الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب
فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين " وفي هذا الحديث
دلالة واضحة على أن وجهها كان مستوراً وأنه رضي الله عنه لم يعرفها إلا
بجسمها .
وبعد أخي
المسلم أختي المسلمة: هل يشك عاقل في تحريم كشف الوجه والكفين لغير المحارم
لوضوح الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علماً أن كثير من أهل العلم ساق أكثر
من عشرين دليلاً من السنة في تحريم كشف الوجه ولكن اقتصرت على هذه الأدلة حتى
لا أطيل، ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى مجموعة الرسائل في
الحجاب والسفور لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وللشيخ عبد العزيز ابن
باز ، وللشيخ محمد العثيمين – حفظهما الله – وكتاب الشيخ حمود التويجري -رحمه
الله- " الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور" وكتاب" يافتاة الإسلام اقرئي
حتى لا تُخدعي" للشيخ صالح البليهي -رحمه الله- و"الحجاب أدلة الموجبين وشبه
المخالفين" للشيخ مصطفى العدوي – حفظه الله- وغيرها من الكتب.
خاصة أن نساء المؤمنين قد اعتدن هذه العبادة الطيبة الحميدة. أما في هذا
الزمان الذي كثر فيه التبرج والسفور والإنحلال الخلقي من قبل الشعوب
الإسلامية وغير الإسلامية، والتشبه بالكافرات في الزينة وما يسمونها بالموضة،
وانتشرت الأصباغ التي توضع على الوجه فهل يرضى رجل في قلبه غيرة على محارمه
أن تكشف زوجته أو أخته أو قريبته أمام الأجانب وقد قال صلى الله عليه وسلم :"
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وهل يختلف اثنان في أن الوجه
هو محط الأنظار من قبل الرجال لأنه هو المكان الذي تُعرف به المرأة هل هي
جميلة أم لا.
وقبل أن أختم هذه الرسالة أذكر إخواني المسلمين بحدث المصطفى صلى الله عليه
وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه :" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها
فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل
كانت في النساء" وهذا الحديث يبين عظم وخطورة النساء إذا خرجن وهن نازعات
للحجاب.
واله نسأل أن يحفظ أعراضنا ونساءنا من كيد الكائدين، وأن يجنبهن التبرج
والسفور وأن يجعلهن صالحات مصلحات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جمع الفقير إلى ربها
عبدالله وليد جرادات
الاردن
ون بشرتها ويخالف الستر الذي هو غاية الحجاب.